41 - باب تحريم العقوق وقطيعة الرحم
قَالَ الله تَعَالَى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 22 - 23]، وَقالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ
عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [الرعد: 25]، وَقالَ تَعَالَى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 23 - 24].<br>336 - وعن أَبي بكرة نُفَيع بن الحارث - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «ألا أُنَبِّئُكُمْ بأكْبَرِ الكَبَائِرِ؟» - ثلاثًا - قُلْنَا: بَلَى، يَا رَسُول الله، قَالَ: «الإشْرَاكُ بالله، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ»، وكان مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فَقَالَ: «ألاَ وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ» فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
337 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الكَبَائِرُ: الإشْرَاكُ بالله، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْس، وَاليَمِينُ الغَمُوسُ». رواه البخاري.
«اليمين الغموس»: التي يحلفها كاذبًا عامدًا، سميت غموسًا؛ لأنها تغمس الحالِفَ في الإثم.
338 - وعنه أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مِنَ الكَبَائِر شَتْمُ الرَّجُل وَالِدَيهِ!»، قالوا: يَا رَسُولَ الله، وَهَلْ يَشْتُمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟! قَالَ: «نَعَمْ، يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أبَاه، وَيَسُبُّ أُمَّهُ، فَيَسُبُّ أُمَّهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية: «إنَّ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ!»، قِيلَ: يَا رَسُول الله، كَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيهِ؟! قَالَ: «يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ، فَيَسُبُّ أُمَّهُ».
339 - وعن أَبي محمد جبيرِ بن مطعم - رضي الله عنه: أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعٌ» قَالَ سفيان في روايته: يَعْنِي: قَاطِع رَحِم. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
340 - وعن أَبي عيسى المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إنَّ اللهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَيْكُمْ: عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَمَنْعًا وَهَاتِ، وَوَأْدَ البَنَاتِ، وكَرِهَ لَكُمْ: قِيلَ وَقالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإضَاعَةَ المَالِ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
قوله: «مَنْعًا» مَعنَاهُ: مَنْعُ مَا وَجَب عَلَيهِ، وَ «هَاتِ»: طَلَبُ مَا لَيْسَ لَهُ. وَ «وَأْد البَنَاتِ» مَعنَاهُ: دَفنُهُنَّ في الحَيَاةِ، وَ «قيلَ وَقالَ» مَعْنَاهُ: الحَديث بكُلّ مَا يَسمَعهُ، فيَقُولُ: قِيلَ كَذَا، وقَالَ فُلانٌ كَذَا مِمَّا لا يَعْلَمُ صِحَّتَهُ، وَلا يَظُنُّهَا، وَكَفَى بالمَرْءِ كذِبًا أَنْ يُحَدّثَ بكُلِّ مَا سَمِعَ. وَ «إضَاعَةُ المَال»: تَبذِيرُهُ وَصَرفُهُ في غَيْرِ الوُجُوهِ المأذُونِ فِيهَا مِنْ مَقَاصِدِ الآخِرةِ وَالدُّنْيَا، وتَرْكُ حِفظِهِ مَعَ إمكَانِ الحِفظِ. وَ «كَثْرَةُ السُّؤَال»: الإلحَاحُ فيما لاَ حَاجَة إِلَيْهِ.
وفي الباب أحاديث سبقت في الباب قبله كحديث: «وأَقْطَعُ مَنْ قَطَعَك»، وحديث: «مَنْ قَطَعني قَطَعهُ الله» .
42 - باب فضل بر أصدقاء الأب والأم والأقارب والزوجة وسائر من يندب إكرامه
341 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إنّ أَبَرَّ البرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ وُدَّ أَبيهِ».
342 - وعن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رَجُلًا مِنَ الأعْرَابِ لَقِيَهُ بطَريق مَكَّةَ، فَسَلَّمَ عَلَيهِ عبدُ الله بْنُ عُمَرَ، وَحَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ، وَأَعْطَاهُ عِمَامَةً كَانَتْ عَلَى رَأسِهِ، قَالَ ابنُ دِينَار: فَقُلْنَا لَهُ: أَصْلَحَكَ اللهُ، إنَّهُمُ الأَعرَابُ وَهُمْ يَرْضَوْنَ باليَسِير، فَقَالَ عبد الله بن عمر: إنَّ أَبَا هَذَا كَانَ وُدًّا لِعُمَرَ بنِ الخطاب - رضي الله عنه - وإنِّي سَمِعتُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنَّ أبرَّ البِرِّ صِلَةُ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ».
وفي رواية عن ابن دينار، عن ابن عمر: أنَّهُ كَانَ إِذَا خَرَجَ إِلَى مَكّةَ كَانَ لَهُ حِمَارٌ يَتَرَوَّحُ عَلَيهِ إِذَا مَلَّ رُكُوبَ الرَّاحِلةِ، وَعِمَامَةٌ يَشُدُّ بِهَا رَأسَهُ، فَبيْنَا هُوَ يَومًا عَلَى ذلِكَ الحِمَارِ إِذْ مَرَّ بِهِ أعْرابيٌّ، فَقَالَ: ألَسْتَ فُلاَنَ بْنَ فُلاَن؟ قَالَ: بَلَى. فَأَعْطَاهُ الحِمَارَ، فَقَالَ: ارْكَبْ هَذَا، وَأَعْطَاهُ العِمَامَةَ وَقالَ: اشْدُدْ بِهَا رَأسَكَ، فَقَالَ لَهُ بعضُ أصْحَابِهِ: غَفَرَ الله لَكَ أعْطَيْتَ هَذَا الأعْرَابيَّ حِمَارًا كُنْتَ تَرَوَّحُ عَلَيهِ، وعِمَامةً كُنْتَ تَشُدُّ بِهَا رَأسَكَ؟ فَقَالَ: إنِّي سَمِعتُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنَّ مِنْ أَبَرِّ البِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أهْلَ وُدِّ أبيهِ بَعْدَ أَنْ يُولِّيَ» وَإنَّ أبَاهُ كَانَ صَديقًا لعُمَرَ - رضي الله عنه.
رَوَى هذِهِ الرواياتِ كُلَّهَا مسلم.
343 - وعن أَبي أُسَيد - بضم الهمزة وفتح السين - مالك بن ربيعة الساعدي - رضي الله عنه - قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جَاءهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ،
فَقَالَ: يَا رسولَ اللهِ، هَلْ بَقِيَ مِنْ برِّ أَبَوَيَّ شَيءٌ أَبِرُّهُما بِهِ بَعْدَ مَوتِهمَا؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، الصَّلاةُ عَلَيْهِمَا، والاِسْتغْفَارُ لَهُمَا، وَإنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِما، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتي لا تُوصَلُ إلاَّ بِهِمَا، وَإكرامُ صَدِيقهمَا». رواه أَبُو داود.
344 - وعن عائشة رضي الله عنها، قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى أحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَة رضي الله عنها، وَمَا رَأيْتُهَا قَطُّ، وَلَكِنْ كَانَ يُكْثِرُ ذِكْرَهَا، وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ، ثُمَّ يقَطِّعُهَا أعْضَاء، ثُمَّ يَبْعثُهَا في صَدَائِقِ خَديجَةَ، فَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ: كَأَنْ لَمْ يَكُنْ في الدُّنْيَا إلاَّ خَديجَةَ! فَيَقُولُ: «إنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ وَكَانَ لي مِنْهَا وَلَدٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية: وإنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاءَ، فَيُهْدِي في خَلاَئِلِهَا مِنْهَا مَا يَسَعُهُنَّ.
وفي رواية: كَانَ إِذَا ذبح الشاة، يقولُ: «أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَديجَةَ».
وفي رواية: قَالَت: اسْتَأذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِد أُخْتُ خَدِيجَةَ عَلَى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فَعرَفَ اسْتِئذَانَ خَديجَةَ، فَارتَاحَ لِذَلِكَ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ هَالةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ».
قولُهَا: «فَارتَاحَ» هُوَ بالحاء، وفي الجمعِ بَيْنَ الصحيحين للحُميدِي : «فارتاع» بالعينِ ومعناه: اهتم بهِ.
345 - وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قَالَ: خرجت مَعَ جرير بن عبد الله البَجَليّ - رضي الله عنه - في سَفَرٍ، فَكَانَ يَخْدُمُني، فَقُلْتُ لَهُ: لاَ تَفْعَل، فَقَالَ: إِنِّي قَدْ رَأيْتُ الأنْصَارَ تَصْنَعُ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا آلَيْتُ عَلَى نَفسِي أَنْ لا أصْحَبَ أحَدًا مِنْهُمْ إلاَّ خَدَمْتُهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
43 - باب إكرام أهل بيت رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وبيان فضلهم
قَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33]، وَقالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32].<br>346 - وعن يزيد بن حَيَّانَ، قَالَ: انْطَلَقْتُ أنَا وحُصَيْنُ بْنُ سَبْرَة، وَعَمْرُو ابن مُسْلِم إِلَى زَيْد بْنِ أرقَمَ - رضي الله عنهم - فَلَمَّا جَلَسْنَا إِلَيْهِ قَالَ لَهُ حُصَيْن: لَقَدْ لقِيتَ يَا زَيْدُ خَيْرًا كَثِيرًا، رَأيْتَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وسمعتَ حديثَهُ، وغَزوْتَ مَعَهُ، وَصَلَّيْتَ خَلْفَهُ: لَقَدْ لَقِيتَ يَا زَيْدُ خَيْرًا كَثيرًا، حَدِّثْنَا يَا زَيْدُ مَا سَمِعْتَ مِنْ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: يَا ابْنَ أخِي، وَاللهِ لقد كَبِرَتْ سِنِّي، وَقَدُمَ عَهدِي، وَنَسيتُ بَعْضَ الَّذِي كُنْتُ أَعِي مِنْ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فما حَدَّثْتُكُمْ، فَاقْبَلُوا، ومَا لاَ فَلاَ تُكَلِّفُونيهِ. ثُمَّ قَالَ: قام رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يَومًا فينا خَطِيبًا بمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ، فَحَمِدَ الله، وَأثْنَى عَلَيهِ، وَوَعَظَ وَذَكَّرَ، ثُمَّ قَالَ: «أمَّا بَعدُ، ألاَ أَيُّهَا النَّاسُ، فَإنَّمَا أنَا بَشَرٌ يُوشِكَ أَنْ يَأتِي رسولُ ربِّي فَأُجِيبَ، وَأنَا تاركٌ فيكم ثَقَلَيْنِ: أوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ، فِيهِ الهُدَى وَالنُّورُ، فَخُذُوا بِكتابِ الله، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ»، فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ الله، وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَأَهْلُ بَيْتِي أُذكِّرُكُمُ اللهُ في أهلِ بَيْتي، أذكرُكُمُ الله في أهل بيتي» فَقَالَ لَهُ حُصَيْنٌ: وَمَنْ أهْلُ بَيتهِ يَا زَيْدُ، أَلَيْسَ نِسَاؤُهُ مِنْ أهْلِ بَيْتِهِ؟ قَالَ: نِسَاؤُهُ مِنْ أهْلِ بَيتهِ، وَلكِنْ أهْلُ بَيتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعدَهُ، قَالَ: وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ آلُ عَلِيٍّ، وَآلُ عقيل، وَآلُ جَعفَرَ، وآلُ عَبَّاسٍ. قَالَ: كُلُّ هؤلاء حُرِمَ الصَّدَقَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ. رواه مسلم.
وفي رواية: «ألاَ وَإنّي تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَليْنِ: أحَدُهُما كِتَابُ الله وَهُوَ حَبْلُ الله، مَنِ اتَّبَعَهُ كَانَ عَلَى الهُدَى، وَمَنْ تَرَكَهُ كَانَ عَلَى ضَلاَلَة».
347 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن أَبي بكر الصديق - رضي الله عنه - مَوقُوفًا عَلَيهِ - أنَّهُ قَالَ: ارْقَبُوا مُحَمدًا - صلى الله عليه وسلم - في أهْلِ بَيْتِهِ. رواه البخاري.
معنى «ارقبوه»: راعوه واحترموه وأكرموه، والله أعلم.
44 - باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل وتقديمهم عَلَى غيرهم ورفع مجالسهم وإظهار مرتبتهم
قَالَ الله تَعَالَى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ} [الزمر: 9].<br>348 - وعن أَبي مسعودٍ عقبةَ بن عمرو البدري الأنصاري - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «يَؤُمُّ القَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ الله، فَإنْ كَانُوا في القِراءةِ سَوَاءً، فأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإنْ كَانُوا في السُّنَّةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإنْ كَانُوا في الهِجْرَةِ سَوَاءً، فَأقْدَمُهُمْ سِنًّا، وَلاَ يُؤمّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في سُلْطَانِهِ، وَلاَ يَقْعُدْ في بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلاَّ بِإذْنهِ». رواه مسلم.
وفي رواية لَهُ: «فَأقْدَمُهُمْ سِلْمًا» بَدَلَ «سِنًّا»: أيْ إسْلامًا. وفي رواية: «يَؤُمُّ القَومَ أقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ، وَأقْدَمُهُمْ قِراءةً، فَإنْ كَانَتْ قِرَاءتُهُمْ سَوَاءً فَيَؤُمُّهُمْ أقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإنْ كَانُوا في الهِجْرَةِ سَواء، فَليَؤُمُّهُمْ أكْبَرُهُمْ سِنًّا».
والمراد «بِسلطانهِ»: محل ولايتهِ، أَو الموضعِ الَّذِي يختص بِهِ «وتَكرِمتُهُ» بفتح التاءِ وكسر الراءِ: وهي مَا ينفرد بِهِ من فِراشٍ وسَريرٍ ونحوهِما.
349 - وعنه، قَالَ: كَانَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا في الصَّلاةِ، ويَقُولُ: «اسْتَوُوا وَلاَ تَخْتَلِفُوا، فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، لِيَلِني مِنْكُمْ أُولُوا الأحْلاَمِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ». رواه مسلم.
وقوله - صلى الله عليه وسلم: «لِيَلِني» هُوَ بتخفيف النون وليس قبلها ياءٌ، وَرُوِيَ بتشديد النُّون مَعَ يَاءٍ قَبْلَهَا. «وَالنُّهَى»: العُقُولُ. «وَأُولُوا الأحْلام»: هُم البَالِغُونَ، وقَيلَ: أهْلُ الحِلْمِ وَالفَضْلِ.
350 - وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «لِيَلِني مِنْكُمْ أُولُوا الأحْلام وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» ثَلاثًا «وَإيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الأسْوَاق». رواه مسلم.
351 - وعن أَبي يَحيَى، وقيل: أَبي محمد سهلِ بن أَبي حَثْمة - بفتح الحاءِ المهملة وإسكان الثاءِ المثلثةِ - الأنصاري - رضي الله عنه - قَالَ: انطَلَقَ عَبدُ اللهِ بنُ سهْلٍ وَمُحَيِّصَة بن مَسْعُود إِلَى خَيْبَرَ وَهِيَ يَومَئذٍ صُلْحٌ، فَتَفَرَّقَا، فَأتَى مُحَيِّصَةُ إِلَى عبدِ اللهِ ابنِ سهل وَهُوَ يَتشَحَّطُ في دَمِهِ قَتِيلًا، فَدَفَنَهُ، ثُمَّ قَدِمَ المَدِينَةَ فَانْطَلَقَ عَبدُ الرحمان ابنُ سهل وَمُحَيِّصَةُ وحوَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إِلَى النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَهَبَ عَبدُ الرحمن يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ: «كَبِّرْ كَبِّرْ» وَهُوَ أحْدَثُ القَوم، فَسَكَتَ، فَتَكَلَّمَا، فَقَالَ: «أتَحْلِفُونَ وتَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ؟ ... » وذكر تمام الحديث. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وقوله - صلى الله عليه وسلم: «كَبِّرْ كَبِّرْ» معناه: يتكلم الأكبر.
352 - وعن جابر - رضي الله عنه: أن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُد يَعْنِي في القَبْرِ، ثُمَّ يَقُولُ: «أيُّهُما أكْثَرُ أخذًا للقُرآنِ؟» فَإذَا أُشيرَ لَهُ إِلَى أحَدِهِمَا قَدَّمَهُ في اللَّحْدِ. رواه البخاري.
353 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أرَانِي فِي المَنَامِ أتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ، فَجَاءنِي رَجُلانِ، أحَدُهُما أكبر مِنَ الآخرِ، فَنَاوَلْتُ السِّوَاكَ الأصْغَرَ، فَقِيلَ لِي: كَبِّرْ، فَدَفَعْتهُ إِلَى الأكْبَرِ مِنْهُمَا». رواه مسلم مسندًا والبخاري تعليقًا.
354 - وعن أَبي موسى - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «إنَّ مِنْ إجْلالِ اللهِ تَعَالَى: إكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ المُسْلِمِ، وَحَامِلِ القُرآنِ غَيْرِ الغَالِي فِيهِ، وَالجَافِي عَنْهُ، وَإكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ المُقْسِط » حديث حسن رواه أَبُو داود.
355 - وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده - رضي الله عنهم - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرنَا، وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبيرِنَا». حديث صحيح رواه أَبُو داود والترمذي، وَقالَ الترمذي: «حديث حسن صحيح».
وفي رواية أبي داود: «حَقَّ كَبيرِنَا».
356 - وعن ميمون بن أَبي شَبيب رحمه الله: أنَّ عائشة رَضي الله عنها مَرَّ بِهَا سَائِلٌ، فَأعْطَتْهُ كِسْرَةً، وَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ عَلَيهِ ثِيَابٌ وَهَيْئَةٌ، فَأقْعَدَتهُ، فَأكَلَ، فقِيلَ لَهَا في ذلِكَ؟ فقَالتْ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «أنْزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ». رواه أبو داود . لكن قال: ميمون لم يدرك عائشة. وقد ذكره مسلم في أول صحيحه تعليقًا فقال: وذكر عن عائشة رضي الله عنها قالت: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ننزل الناس منازلهم، وَذَكَرَهُ الحَاكِمُ أَبُو عبد الله في كتابه «مَعرِفَة عُلُومِ الحَديث» وَقالَ: «هُوَ حديث صحيح».
357 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قَالَ: قَدِمَ عُيَيْنَةُ بنُ حِصْن، فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أخِيهِ الحُرِّ بنِ قَيسٍ، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمرُ - رضي الله عنه - وَكَانَ القُرَّاءُ أصْحَاب مَجْلِس عُمَرَ وَمُشاوَرَتِهِ، كُهُولًا كاَنُوا أَوْ شُبَّانًا، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لابْنِ أخيهِ: يَا ابْنَ أخِي، لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الأمِيرِ، فَاسْتَأذِنْ لِي عَلَيهِ، فاسْتَأذَن له، فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ - رضي الله عنه - فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ: هِي يَا ابنَ الخَطَّابِ، فَواللهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ، وَلا تَحْكُمُ فِينَا بالعَدْلِ، فَغَضِبَ عُمَرُ - رضي الله عنه - حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ الحُرُّ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إنَّ الله تَعَالَى قَالَ لِنَبيِّهِ - صلى الله عليه وسلم: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]، وَإنَّ هَذَا مِنَ الجَاهِلِينَ. واللهِ مَا جَاوَزَهاَ عُمَرُ حِينَ تَلاَهَا عليه، وكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى. رواه البخاري.
358 - وعن أَبي سعيد سَمُرة بنِ جُندب - رضي الله عنه - قَالَ: لقد كنتُ عَلَى عَهْدِ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - غُلاَمًا، فَكُنْتُ أَحْفَظُ عَنْهُ، فَمَا يَمْنَعُنِي مِنَ القَوْلِ إلاَّ أنَّ هَاهُنَا رِجَالًا هُمْ أسَنُّ مِنِّي. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
359 - وعن أنس - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إلاَّ قَيَّضَ اللهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّه». رواه الترمذي، وَقالَ: «حديث غريب».
45 - باب زيارة أهل الخير ومجالستهم وصحبتهم ومحبتهم وطلب زيارتهم والدعاء منهم وزيارة المواضع الفاضلة
قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} إِلَى قوله تَعَالَى: {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: 60 - 66]، وَقالَ تَعَالَى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف: 28].<br>360 - وعن أنس - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ أَبُو بكر لِعُمَرَ رضي الله عنهما بَعْدَ وَفَاةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ - رضي الله عنها - نَزُورُهَا كَمَا كَانَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يَزُورُهَا، فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَيْهَا، بَكَتْ، فَقَالاَ لَهَا: مَا يُبْكِيكِ؟ أمَا تَعْلَمِينَ أَنَّ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَتْ: مَا أبْكِي أَنْ لاَ أَكُونَ أَعْلَم أنَّ مَا عِنْدَ الله تَعَالَى خَيْرٌ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولَكِنْ أَبكي أَنَّ الوَحْيَ قدِ انْقَطَعَ مِنَ السَّماءِ، فَهَيَّجَتْهُمَا عَلَى البُكَاءِ، فَجَعَلاَ يَبْكِيَانِ مَعَهَا. رواه مسلم.
361 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم: «أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ في قَريَة أُخْرَى، فَأَرْصَدَ الله تَعَالَى عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا، فَلَمَّا أتَى عَلَيهِ، قَالَ: أيْنَ تُريدُ؟ قَالَ: أُريدُ أخًا لي في هذِهِ القَريَةِ. قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا عَلَيهِ؟ قَالَ: لا، غَيْرَ أنِّي أحْبَبْتُهُ في الله تَعَالَى، قَالَ: فإنِّي رَسُول الله إلَيْكَ بِأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أحْبَبْتَهُ فِيهِ». رواه مسلم.
يقال: «أرْصَدَهُ» لِكَذَا: إِذَا وَكَّلَهُ بِحِفْظِهِ، وَ «المَدْرَجَةُ» بِفْتْحِ الميمِ والرَّاءِ: الطَّرِيقُ، ومعنى «تَرُبُّهَا»: تَقُومُ بِهَا، وَتَسْعَى في صَلاحِهَا.
362 - وعنه، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ في الله، نَادَاهُ مُنَادٍ: بِأَنْ طِبْتَ، وَطَابَ مَمْشَاكَ، وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنْزِلًا». رواه الترمذي، وَقالَ: «حديث حسن»، وفي بعض النسخ: «غريب».
363 - وعن أَبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّمَا مَثلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ، كَحَامِلِ المِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِيرِ: إمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا مُنْتِنَةً». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
(يُحْذِيكَ): يُعْطِيكَ.
364 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاك». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
ومعناه: أنَّ النَّاسَ يَقْصدونَ في العَادَة مِنَ المَرْأةِ هذِهِ الخِصَالَ الأرْبَعَ، فَاحْرَصْ أنتَ عَلَى ذَاتِ الدِّينِ، وَاظْفَرْ بِهَا، وَاحْرِصْ عَلَى صُحْبَتِها.
365 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - لِجبريل: «مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورنَا أكثَر مِمَّا تَزُورَنَا؟» فَنَزَلَتْ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ} [مريم: 64]. رواه البخاري.
366 - وعن أَبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا تُصَاحِبْ إلاَّ مُؤْمِنًا، وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إلاَّ تَقِيٌّ». رواه أَبُو داود والترمذي بإسناد لا بأس بِهِ.
367 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه: أن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَليَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ». رواه أَبُو داود والترمذي بإسناد صحيح، وَقالَ الترمذي: «حديث حسن».
368 - وعن أَبي موسى الأشعري - رضي الله عنه: أن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية: قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم: الرَّجُلُ يُحبُّ القَومَ وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ؟ قَالَ: «المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ».
369 - وعن أنس - رضي الله عنه: أنَّ أعرابيًا قَالَ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «مَا أعْدَدْتَ لَهَا؟» قَالَ: حُبَّ الله ورسولهِ، قَالَ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ، وهذا لفظ مسلم.
وفي رواية لهما: مَا أعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثيرِ صَوْمٍ، وَلاَ صَلاَةٍ، وَلاَ صَدَقَةٍ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ.
370 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قَالَ: جاء رجلٌ إلى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، كَيْفَ تَقُولُ في رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «المَرْءُ مَعَ مَنْ أحَبَّ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
371 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «النَّاسُ مَعَادِنٌ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، خِيَارُهُمْ في الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ في الإسْلاَمِ إِذَا فَقهُوا، وَالأرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، ومَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ». رواه مسلم.
وروى البخاري قوله: «الأَرْوَاحُ ... » إلخ مِنْ رواية عائشة رضي الله عنها.
372 - وعن أُسَيْر بن عمرو، ويقال: ابن جابر وَهُوَ - بضم الهمزة وفتح السين المهملة - قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - إِذَا أتَى عَلَيهِ أَمْدَادُ أهْلِ اليَمَنِ سَألَهُمْ: أفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ حَتَّى أتَى عَلَى أُوَيْسٍ - رضي الله عنه - فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ أُوَيْسُ ابْنُ عَامِر؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ، فَبَرَأْتَ مِنْهُ إلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: لَكَ وَالِدةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يَأتِي عَلَيْكُمْ أُويْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ اليَمَنِ مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ كَانَ بِهِ بَرَصٌ، فَبَرَأَ مِنْهُ إلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالدةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى الله لأَبَرَّهُ، فإنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَل» فَاسْتَغْفِرْ لي فَاسْتَغْفَرَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَيْنَ تُريدُ؟ قَالَ: الكُوفَةَ، قَالَ: ألاَ أَكْتُبُ لَكَ إِلَى عَامِلِهَا؟ قَالَ: أكُونُ في غَبْرَاءِ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ العَامِ المُقْبِلِ حَجَّ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ، فَوافَقَ عُمَرَ، فَسَألَهُ عَنْ أُوَيْسٍ، فَقَالَ: تَرَكْتُهُ رَثَّ البَيْتِ قَليلَ المَتَاع، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: «يَأتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أمْدَادٍ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إلاَّ مَوضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ لَوْ أقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ، فَإنِ اسْتَطْعتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ، فَافْعَلْ» فَأتَى أُوَيْسًا، فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي. قَالَ: أَنْتَ أحْدَثُ عَهْدًا بسَفَرٍ صَالِحٍ، فَاسْتَغْفِرْ لي. قَالَ: لَقِيتَ عُمَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فاسْتَغْفَرَ لَهُ، فَفَطِنَ لَهُ النَّاسُ، فَانْطَلَقَ عَلَى وَجْهِهِ. رواه مسلم.
وفي رواية لمسلم أيضًا عن أُسَيْر بن جابر - رضي الله عنه: أنَّ أهْلَ الكُوفَةِ وَفَدُوا عَلَى عُمَرَ - رضي الله عنه - وَفِيهمْ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ يَسْخَرُ بِأُوَيْسٍ، فَقَالَ عُمَرُ: هَلْ هاهُنَا أَحَدٌ مِنَ القَرَنِيِّينَ؟ فَجَاءَ ذلِكَ الرَّجُلُ، فَقَالَ عمرُ: إنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَدْ قَالَ: «إنَّ رَجُلًا يَأتِيكُمْ مِنَ اليَمَنِ يُقَالُ لَهُ: أُوَيْسٌ، لاَ يَدَعُ باليَمَنِ غَيْرَ أُمٍّ لَهُ، قَدْ كَانَ بِهِ بَيَاضٌ فَدَعَا الله تَعَالَى، فَأذْهَبَهُ إلاَّ مَوضِعَ الدِّينَارِ أَو الدِّرْهَمِ، فَمَنْ لَقِيَهُ مِنْكُمْ، فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ».
وفي رواية لَهُ: عن عمر - رضي الله عنه - قَالَ: إنِّي سَمِعْتُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أُوَيْسٌ، وَلَهُ وَالِدَةٌ وَكَانَ بِهِ بَيَاضٌ، فَمُرُوهُ، فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ».
قوله: «غَبْرَاءِ النَّاسِ» بفتح الغين المعجمة، وإسكان الباءِ وبالمد: وهم فُقَرَاؤُهُمْ وَصَعَالِيكُهُمْ وَمَنْ لا يُعْرَفُ عَيْنُهُ مِنْ أخلاطِهِمْ «وَالأَمْدَادُ» جَمْعُ مَدَدٍ: وَهُمُ الأَعْوَانُ وَالنَّاصِرُونَ الَّذِينَ كَانُوا يُمدُّونَ المُسْلِمِينَ في الجهَاد.
373 - وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قَالَ: اسْتَأذَنْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - في العُمْرَةِ، فَأذِنَ لِي، وَقالَ: «لاَ تَنْسَنا يَا أُخَيَّ مِنْ دُعَائِكَ» فَقَالَ كَلِمَةً مَا يَسُرُّنِي أنَّ لِي بِهَا الدُّنْيَا.
وفي رواية: وَقالَ: «أشْرِكْنَا يَا أُخَيَّ في دُعَائِكَ».
حديث صحيح رواه أَبُو داود والترمذي، وَقالَ: «حديث حسن صحيح».
374 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يزور قُبَاءَ رَاكِبًا وَمَاشِيًا، فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية: كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَأتي مَسْجِد قُبَاءَ كُلَّ سَبْتٍ رَاكبًا، وَمَاشِيًا وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ.
46 - باب فضل الحب في الله والحث عَلَيهِ وإعلام الرجل من يحبه، أنه يحبه، وماذا يقول لَهُ إِذَا أعلمه
قَالَ الله تَعَالَى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29] إِلَى آخر السورة، وَقالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} [الحشر: 9].<br>375 - وعن أنسٍ - رضي الله عنه - عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاوَةَ الإيمانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سَوَاهُمَا، وَأنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إلاَّ للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ في الكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ الله مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النَّارِ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
376 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إلاَّ ظِلُّهُ: إمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأ في عِبَادَةِ الله - عز وجل - وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالمَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابّا في اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيهِ وتَفَرَّقَا عَلَيهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأةٌ ذَاتُ حُسْنٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إنِّي أخَافُ الله، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ، فَأخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ الله خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
377 - وعنه، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله تَعَالَى يَقُول يَوْمَ القِيَامَةِ: أيْنَ المُتَحَابُّونَ بِجَلالِي؟ اليَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لاَ ظِلَّ إلاَّ ظِلِّي». رواه مسلم.
378 - وعنه، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أوَلاَ أدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بينكم». رواه مسلم.
379 - وعنه، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم: «أنَّ رَجُلًا زَارَ أخًا لَهُ في قَرْيَةٍ أخْرَى، فَأرصَدَ اللهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا ... » وذكر الحديث إِلَى قوله: «إنَّ الله قَدْ أحبَّكَ كَمَا أحْبَبْتَهُ فِيهِ». رواه مسلم، وقد سبق بالباب قبله.
380 - وعن البرَاءِ بن عازب رضي الله عنهما، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قَالَ في الأنصار: «لاَ يُحِبُّهُمْ إلاَّ مُؤمِنٌ، وَلاَ يُبْغِضُهُمْ إلاَّ مُنَافِقٌ، مَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ الله». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
381 - وعن معاذ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «قَالَ الله - عز وجل: المُتَحَابُّونَ فِي جَلالِي، لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ». رواه الترمذي، وَقالَ: «حديث حسن صحيح».
382 - وعن أَبي إدريس الخولاني رحمه الله، قَالَ: دخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقَ، فَإذَا فَتًى بَرَّاق الثَّنَايَا وَإِذَا النَّاسُ مَعَهُ، فَإِذَا اخْتَلَفُوا في شَيْءٍ، أَسْنَدُوهُ إِلَيْه، وَصَدَرُوا عَنْ رَأيِهِ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقيلَ: هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَل - رضي الله عنه. فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، هَجَّرْتُ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي بالتَّهْجِيرِ، ووَجَدْتُهُ يُصَلِّي، فانْتَظَرتُهُ حَتَّى قَضَى صَلاتَهُ، ثُمَّ جِئْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيهِ، ثُمَّ قُلْتُ: وَاللهِ إنّي لأَحِبُّكَ لِله، فَقَالَ: آلله؟ فَقُلْتُ: اللهِ، فَقَالَ: آللهِ؟ فَقُلْتُ: اللهِ، فَأَخَذَنِي بِحَبْوَةِ رِدَائِي، فجبذني إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَبْشِرْ! فإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «قَالَ الله تَعَالَى: وَجَبَتْ مَحَبَّتي لِلْمُتَحابِّين فِيَّ، وَالمُتَجَالِسينَ فيَّ، وَالمُتَزَاوِرِينَ فيَّ، وَالمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ». حديث صحيح رواه مالك في الموطأ بإسناده الصحيح.
قوله: «هَجَّرْتُ» أيْ بَكَّرْتُ، وَهُوَ بتشديد الجيم قوله: «آلله فَقُلْت: الله» الأول بهمزة ممدودة للاستفهام، والثاني بلا مد.
383 - وعن أَبي كَرِيمَةَ المقداد بن معد يكرب - رضي الله عنه - عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ، فَليُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ». رواه أَبُو داود والترمذي، وَقالَ: «حديث صحيح».
384 - وعن معاذ - رضي الله عنه: أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيدهِ، وَقالَ: «يَا مُعَاذُ، وَاللهِ، إنِّي لأُحِبُّكَ، ثُمَّ أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ، لاَ تَدَعَنَّ في دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ». حديث صحيح، رواه أَبُو داود والنسائي بإسناد صحيح.
385 - وعن أنس - رضي الله عنه: أنَّ رَجُلًا كَانَ عِنْدَ النَّبيِّ، - صلى الله عليه وسلم - فَمَرَّ رَجُلٌ بِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أنِّي لأُحِبُّ هَذَا، فَقَالَ لَهُ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم: «أأعْلَمْتَهُ؟» قَالَ: لاَ. قَالَ: «أَعْلِمْهُ»، فَلَحِقَهُ، فَقَالَ: إنِّي أُحِبُّكَ في الله، فَقَالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ. رواه أَبُو داود بإسناد صحيح.
47 - باب علامات حُبِّ الله تَعَالَى للعبد والحث عَلَى التخلق بِهَا والسعي في تحصيلها
قَالَ الله تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31]، وَقالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54].<br>386 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله تَعَالَى قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا، فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بِهَا، وَرجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإنْ سَألَنِي أعْطَيْتُهُ، وَلَئِن اسْتَعَاذَنِي لأعِيذَنَّهُ». رواه البخاري.
معنى «آذنته»: أعلمته بأني محارِب لَهُ. وقوله: «استعاذني» روي بالباءِ وروي بالنون.
387 - وعنه، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا أَحَبَّ اللهُ تَعَالَى العَبْدَ، نَادَى
جِبْريلَ: إنَّ الله تَعَالَى يُحِبُّ فُلانًا، فَأَحْبِبْهُ، فَيُحِبُّهُ جِبريلُ، فَيُنَادِي في أَهْلِ السَّمَاءِ: إنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلانًا، فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ في الأرْضِ». متفق عليه.
وفي رواية لمسلم: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله تعالى إذا أحَبَّ عبدًا دَعَا جِبريلَ، فقال: إِنّي أُحِبُّ فُلانًا فأَحببهُ، فيُحبُّهُ جبريلُ، ثمَّ يُنادي في السماءِ، فيقول: إنَّ اللهَ يحبُّ فلانًا فأَحبُّوهُ، فيحبُّهُ أهلُ السماءِ، ثُمَّ يُوضعُ لَهُ القَبولُ في الأرضِ، وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْريلَ، فَيَقُولُ: إنّي أُبْغِضُ فُلانًا فَأَبْغِضْهُ. فَيُبغِضُهُ جِبريلُ، ثُمَّ يُنَادِي في أَهْلِ السَّمَاءِ: إنَّ الله يُبْغِضُ فُلانًا فَأَبْغِضُوهُ، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ البَغْضَاءُ في الأَرْضِ».
388 - وعن عائشة رضي الله عنها: أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثَ رجلًا عَلَى سَريَّةٍ، فَكَانَ يَقْرَأُ لأَصْحَابِهِ في صَلاَتِهِمْ فَيَخْتِمُ بـ {قُل هُوَ اللهُ أَحَدٌ}، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذلِكَ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «سَلُوهُ، لأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذلِكَ؟»، فَسَألُوهُ، فَقَالَ: لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمنِ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأ بِهَا. فَقَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «أَخْبِرُوهُ أنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
48 - باب التحذير من إيذاء الصالحين والضعفة والمساكين
قَالَ الله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58]، وَقالَ تَعَالَى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} [الضحى: 9 - 10].<br>وأما الأحاديث، فكثيرة مِنْهَا:
حديث أَبي هريرة - رضي الله عنه - في الباب قبل هَذَا: «مَنْ عَادَى لِي وَليًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ».
ومنها حديث سعد بن أَبي وقاص - رضي الله عنه - السابق في باب ملاطفة اليتيم، وقوله صلى الله عليه وسلم: «يَا أَبَا بَكْرٍ، لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ».
389 - وعن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى صَلاةَ الصُّبْحِ، فَهُوَ في ذِمَّةِ اللهِ، فَلاَ يَطْلُبَنَّكُمُ اللهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ، فَإنَّهُ مَنْ يَطْلُبُهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ يُدْرِكْهُ، ثُمَّ يَكُبُّهُ عَلَى وَجْهِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ». رواه مسلم.
49 - باب إجراء أحكام الناس عَلَى الظاهر وسرائرهم إِلَى الله تَعَالَى
قَالَ الله تَعَالَى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُم} [التوبة: 5].<br>390 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إلهَ إلاَّ الله، وَأنَّ مُحَمَّدًا رَسُول الله، وَيُقيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلاَّ بحَقِّ الإسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى الله تَعَالَى». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
391 - وعن أَبي عبدِ الله طارِق بن أشَيْم - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَنْ قالَ لاَ إلهَ إلاَّ الله، وَكَفَرَ بمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ، حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ، وَحِسَابُهُ عَلَى الله تَعَالَى». رواه مسلم.
392 - وعن أَبي معبد المقداد بن الأسْود - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم: أرَأيْتَ إنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الكُفَّارِ، فَاقْتتَلْنَا، فَضَرَبَ إحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ، فَقَطَعَها، ثُمَّ لاَذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ، فَقَالَ: أَسْلَمْتُ لِلهِ، أَأَقْتُلُهُ يَا رَسُول الله بَعْدَ أَنْ قَالَهَا؟ فَقَالَ: «لاَ تَقْتُلهُ» فَقُلْتُ: يَا رَسُول الله، قَطَعَ إحْدَى يَدَيَّ، ثُمَّ قَالَ ذلِكَ بَعْدَ مَا قَطَعَهَا؟! فَقَالَ: «لَا تَقتُلْهُ، فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ، وَإنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ التي قَالَ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
ومعنى «أنه بمنزلتك» أي: معصوم الدم محكوم بإسلامه. ومعنى «أنك بمنزلته» أي: مباح الدمِ بالقصاص لورثتهِ لا أنه بمنزلته في الكفر، والله أعلم.
393 - وعن أُسَامة بن زيدٍ رضي الله عنهما، قَالَ: بعثنا رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ فَصَبَّحْنَا القَوْمَ عَلَى مِيَاهِهِمْ، وَلَحقْتُ أنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَلَمَّا غَشَيْنَاهُ، قَالَ: لاَ إلهَ إلاَّ الله، فَكفَّ عَنْهُ الأَنْصَاري، وطَعَنْتُهُ برُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ، بَلَغَ ذلِكَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لِي: «يَا أُسَامَة، أقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لا إلهَ إلاَّ اللهُ؟!» قُلْتُ: يَا رَسُول الله، إِنَّمَا كَانَ متعوِّذًا، فَقَالَ: «أقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ؟!» فما زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذلِكَ اليَوْمِ. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية: فَقَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «أَقَالَ: لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وقَتَلْتَهُ؟!» قُلْتُ: يَا رَسُول الله، إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِن السِّلاحِ، قَالَ: «أَفَلاَ شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أمْ لاَ؟!» فمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أنِّي أسْلَمْتُ يَوْمَئذٍ.
«الحُرَقَةُ» بضم الحاءِ المهملة وفتح الراءِ: بَطْنٌ مِنْ جُهَيْنَةَ: القَبِيلةُ المَعْرُوفَةُ. وقوله: «مُتَعَوِّذًا»: أيْ مُعْتَصِمًا بِهَا مِنَ القَتْلِ لاَ معْتَقِدًا لَهَا.
394 - وعن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه: أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ بَعْثًا مِنَ المُسْلِمينَ إِلَى قَومٍ مِنَ المُشرِكينَ، وَأنَّهُمْ التَقَوْا، فَكَانَ رَجُلٌ مِنَ المُشْركينَ إِذَا شَاءَ أَنْ يَقْصِدَ إِلَى رَجُل مِنَ المُسْلِمينَ قَصَدَ لَهُ فَقَتَلَهُ، وَأنَّ رَجُلًا مِنَ المُسْلِمِينَ قَصَدَ غَفْلَتَهُ. وَكُنَّا نتحَدَّثُ أنَّهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَلَمَّا رَفَعَ عَلَيهِ السَّيفَ، قَالَ: لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ، فَقَتَلهُ، فَجَاءَ البَشيرُ إِلَى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فَسَألَهُ وَأخبَرَهُ، حَتَّى أخْبَرَهُ خَبَرَ الرَّجُلِ كَيْفَ صَنَعَ، فَدَعَاهُ فَسَألَهُ، فَقَالَ: «لِمَ قَتَلْتَهُ؟» فَقَالَ: يَا رَسُول اللهِ، أوْجَعَ في المُسلِمِينَ، وَقَتَلَ فُلانًا وفلانًا، وسمى لَهُ نَفرًا، وَإنِّي حَمَلْتُ عَلَيهِ، فَلَمَّا رَأى السَّيفَ، قَالَ: لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ. قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «أَقَتَلْتَهُ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَكَيفَ تَصْنَعُ بلاَ إلهَ إلاَّ اللهُ، إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ القِيَامَةِ؟» قَالَ: يَا رَسُول الله، اسْتَغْفِرْ لِي. قَالَ: «وكَيفَ تَصْنَعُ بِلا إلهَ إلاَّ الله إِذَا جَاءتْ يَوْمَ القِيَامَةِ؟» فَجَعَلَ لاَ يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ: «كَيفَ تَصْنَعُ بِلاَ إلهَ إلاَّ الله إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ القِيَامَةِ». رواه مسلم.
395 - وعن عبد الله بن عتبة بن مسعود، قَالَ: سَمِعْتُ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقولُ: إنَّ نَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالوَحْيِ في عَهْدِ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وَإنَّ الوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ، وإِنَّمَا نَأخُذُكُمُ الآن بما ظَهَرَ لَنَا مِنْ أعمَالِكُمْ، فَمَنْ أظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمَّنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ، وَلَيْسَ لَنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ، اللهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ وَإنْ قَالَ: إنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ. رواه البخاري.
50 - باب الخوف
قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة: 40]، وَقالَ تَعَالَى: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} [البروج: 12]، وَقالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَعْدُودٍ يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} [هود: 102 - 106]، وَقالَ تَعَالَى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28]، وَقالَ تَعَالَى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: 34 - 37]، وَقالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ} [الحج: 1 - 2]، وَقالَ تَعَالَى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمان: 46]، وَقالَ تَعَالَى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ، فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور: 25 - 28]
وَالآيات في الباب كثيرة جدًا معلومات، والغرض الإشارة إِلَى بعضها وقد حصل:<br>وأما الأحاديث فكثيرة جدًا فنذكر مِنْهَا طرفًا وبالله التوفيق:
396 - عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قَالَ: حدثنا رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ الصادق المصدوق: «إنَّ أحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أربَعِينَ يَومًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ المَلَكُ، فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ. فَوَالَّذِي لاَ إلهَ غَيْرُهُ إنَّ أحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وبيْنَهَا إلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيهِ الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ النَّارِ فَيدْخُلُهَا، وَإنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلاَّ ذراعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيهِ الكِتَابُ فَيعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
397 - وعنه، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «يُؤتَى بِجَهَنَّمَ يَومَئذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا». رواه مسلم.
398 - وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ لَرَجُلٌ يُوضعُ في أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ. مَا يَرَى أنَّ أَحَدًا أشَدُّ مِنْهُ عَذَابًا، وَأنَّهُ لأَهْوَنُهُمْ عَذَابًا». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
399 - وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه: أنَّ نبيَّ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مِنْهُمْ مَنْ تَأخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعْبَيهِ، وَمنْهُمْ مَنْ تَأخُذُهُ إِلَى رُكْبَتَيهِ، وَمنْهُمْ مَنْ تَأخُذُهُ إِلَى حُجزَتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأخُذُهُ إِلَى تَرْقُوَتِهِ». رواه مسلم.
«الحُجْزَةُ»: مَعْقِدُ الإزار تَحْتَ السُّرَّةِ، وَ «التَّرْقُوَةُ» بفتح التاءِ وضم القاف: هي العَظمُ الَّذِي عِنْدَ ثَغْرَةِ النَّحْرِ، وَللإنْسَانِ تَرْقُوتَانِ في جَانبَي النَّحْرِ.
400 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالَمينَ حَتَّى يَغِيبَ أَحَدُهُمْ في رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وَ «الرَّشْحُ»: العَرَقُ.
401 - وعن أنس - رضي الله عنه - قَالَ: خطبنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - خطبة مَا سَمِعْتُ مِثلها قَطّ، فَقَالَ: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَضحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيتُمْ كَثِيرًا». فَغَطَّى أصْحَابُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وَجُوهَهُمْ، وَلَهُمْ خَنِينٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية: بَلَغَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَصْحَابِهِ شَيْءٌ فَخَطَبَ، فَقَالَ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَلَمْ أرَ كَاليَومِ في الخَيرِ وَالشَّرِّ، وَلَوْ تَعْلَمونَ مَا أَعلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا». فَمَا أَتَى عَلَى أَصْحَابِ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْمٌ أَشَدُّ مِنْهُ، غَطَّوْا رُؤُسَهُمْ وَلَهُمْ خَنِينٌ.
«الخَنِينُ» بالخاءِ المعجمة: هُوَ البُكَاءُ مَعَ غُنَّة وانتِشَاقِ الصَّوْتِ مِنَ الأنْفِ.
402 - وعن المقداد - رضي الله عنه - قَالَ: سمِعْتُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنَ الخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ». قَالَ سُلَيْم بنُ عامِر الراوي عن المقداد: فَوَاللهِ مَا أَدْرِي مَا يَعني بِالمِيلِ، أمَسَافَةَ الأرضِ أَمِ المِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ العَيْنُ؟ قَالَ: «فَيكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ في العَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، ومنهم مَن يكُون إِلَى رُكبتَيه، ومنهم مَنْ يَكُونُ إِلَى حِقْوَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ العَرَقُ إلْجَامًا». قَالَ: وَأَشَارَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدهِ إِلَى فِيهِ. رواه مسلم.
403 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه: أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَعْرَقُ النَّاسُ يَومَ القِيَامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ في الأَرضِ سَبْعِينَ ذِراعًا، وَيُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
ومعنى «يَذْهَبُ في الأَرضِ»: ينزل ويغوص.
404 - وعنه، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - إذْ سمع وجبة ، فَقَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَا هَذَا؟» قُلْنَا: الله وَرَسُولُهُ أعْلَمُ. قَالَ: «هذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ في النَّارِ مُنْذُ سَبْعينَ خَريفًا، فَهُوَ يَهْوِي في النَّارِ الآنَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَعْرِها فَسَمِعْتُمْ وَجْبَتَهَا». رواه مسلم.
405 - وعن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إلاَّ مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ أشْأَمَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إلاَّ مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلاَ يَرَى إلاَّ النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
406 - وعن أَبي ذر - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «إنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ، أطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوضِعُ أرْبَع أصَابعَ إلاَّ وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا للهِ تَعَالَى. والله لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بالنِّساءِ عَلَى الفُرُشِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأرُونَ إِلَى اللهِ تَعَالَى». رواه الترمذي ، وَقالَ: «حديث حسن».
وَ «أطَّت» بفتح الهمزة وتشديد الطاءِ و «تئط» بفتح التاءِ وبعدها همزة مكسورة، وَالأطيط: صوتُ الرَّحْلِ وَالقَتَبِ وَشِبْهِهِمَا، ومعناه: أنَّ كَثرَةَ مَنْ في السَّماءِ مِنَ المَلائِكَةِ العَابِدِينَ قَدْ أثْقَلَتْهَا حَتَّى أطّتْ. وَ «الصُّعُدات» بضم الصاد والعين: الطُّرُقات: ومعنى: «تَجأَرُون»: تَستَغيثُونَ.
407 - وعن أَبي برزة - براء ثُمَّ زاي - نَضْلَة بن عبيد الأسلمي - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَومَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أفنَاهُ؟ وَعَنْ عِلمِهِ فِيمَ فَعَلَ فِيهِ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَفِيمَ أنْفَقَهُ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبلاهُ؟». رواه الترمذي، وَقالَ: «حديث حسن صحيح».
408 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قرأ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة: 4] ثُمَّ قَالَ: «أَتَدْرونَ مَا أخْبَارهَا»؟ قالوا: الله وَرَسُولُهُ أعْلَمُ. قَالَ: «فإنَّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلّ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ بما عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا، تَقُولُ: عَمِلْتَ كَذَا وكَذَا في يَومِ كَذَا وكَذَا، فَهذِهِ أَخْبَارُهَا». رواه الترمذي، وَقالَ: «حديث حسن صحيح».
409 - وعن أَبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «كَيْفَ أَنْعَمُ! وَصَاحِبُ القَرْنِ قَدِ التَقَمَ القَرْنَ، وَاسْتَمَعَ الإذْنَ مَتَى يُؤمَرُ بالنَّفْخِ فَيَنْفُخُ»، فَكَأنَّ ذلِكَ ثَقُلَ عَلَى أصْحَابِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لَهُمْ: «قُولُوا: حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الوَكِيلُ». رواه الترمذي، وَقالَ: «حديث حسنٌ».
«القَرْنُ»: هُوَ الصُّورُ الَّذِي قَالَ الله تَعَالَى: {وَنُفِخَ في الصُّورِ} [الكهف: 99]، كذا فسَّره رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم.
410 - وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ المَنْزِلَ. ألاَ إنَّ سِلْعَةَ اللهِ غَالِيَةٌ، أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ الله الجَنَّةُ». رواه الترمذي، وَقالَ: «حديث حسن».
وَ «أدْلَجَ»: بإسكان الدال ومعناه سَار من أول الليلِ. والمراد التشمير في الطاعة، والله أعلم.
411 - وعن عائشة رضي الله عنها، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا». قُلْتُ: يَا رَسُول الله، الرِّجَالُ وَالنِّساءُ جَمِيعًا يَنْظُرُ بَعضُهُمْ إِلَى بَعْض؟! قَالَ: «يَا عائِشَةُ، الأمرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُمْ ذلِكَ».
وفي رواية: «الأَمْرُ أَهمُّ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ بَعضُهُمْ إِلَى بَعضٍ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
«غُرلًا» بِضَمِّ الغَينِ المعجمة، أيْ: غَيرَ مَختُونينَ.